فصل: تفسير الآية رقم (36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (23- 24):

{إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)}
{وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ} المرأة بلقيس بنت شراحيل: كان أبوها ملك اليمن ولم يكن له ولد غيرها، فغلبت بعده على الملك، والضمير في تملكهم يعود على سبأ، وهم قومها {مِن كُلِّ شَيْءٍ} عموم يراد به الخصوص فيما يحتاجه الملك {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} يعني سرير ملكها، ووقف بعضهم على عرش، ثم ابتدأ {عَظِيمٌ} {وَجَدتُّهَا} على تقدير عظيم أن {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ الله}، وهذا خطأ، وإنما حمله عليه الفرار من وصف عرشها بالعظمة.

.تفسير الآية رقم (25):

{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)}
{أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ} من كلام الهدهد أو من كلام الله، وقرأ الجمهور ألاَّ بالتشديد، وأن في موضع نصب على البدن من أعمالهم، أو في موضع خفض على البدل من السبيل، أو يكون التقدير: لا يهتدون لأن يسجدوا بحذف اللام، وزيادة لا، وقرأ الكسائي: ألا يا اسجدوا بالتخفيف على أن تكون لا حرف تنبيه وأن تكون الياء حرف نداء فيوقف عليها بالألف على تقدير يا قوم ثم يبتدىء اسجدوا {يُخْرِجُ الخبء} في اللغة: الخفي، وقيل: معناه هنا: الغيب، وقيل: يخرج النبات من الأرض، واللفظ يعم كل خفيّ، وبه فسره ابن عباس.

.تفسير الآية رقم (28):

{اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)}
{ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} أي تنح إلى مكان قريب لتسمع ما يقولون، وروي أنه دخل عليها من كوّة فألقى إليها الكتاب وتوارى في الكوة، وقيل: إن التقدير انظر ماذا يرجعون، تول عنهم فهو من المقلوب والأول أحسن {مَاذَا يَرْجِعُونَ} من قوله يرجع بعضهم إلى بعض القول.

.تفسير الآيات (29- 34):

{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)}
{قَالَتْ ياأيها الملأ} قبل هذا الكلام محذوف تقديره: فألقى الهدهد إليها الكتاب فقرأته، ثم جمعت أهل ملكها فقالت لهم: يا أيها الملأ {كِتَابٌ كَرِيمٌ} وصفته بالكرم لأنه من عند سليمان، أو لأن فيه اسم الله، أو لأنه مختوم كما جاء في الحديث: كرم الكتاب ختمه {مِن سُلَيْمَانَ} يحتمل أن يكون هذا نص الكتاب بدأ فيه بالعنوان، وأن يكون من كلامها: أخبرتهم أن الكتاب من سليمان {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} يحتمل أن يكون من الانقياد بمعنى مستسلمين، أو يكون من الدخول في الإسلام {أُوْلُو قُوَّةٍ} يحتمل أن يريد قوة الأجساد أو قوة الملك والعدد {وكذلك يَفْعَلُونَ} من كلام الله عز وجل تصديقاً لقولها فيوقف على ما قبله، أو من كلام بلقيس تأكيداً للمعنى الذي أرادته، وتعني: كذلك يفعل هؤلاء بنا.

.تفسير الآية رقم (35):

{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)}
{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} قالت لقومها إني أجرب هذا الرجل بهدية من نفائس الأموال، قإن كان ملكاً دنيوياً: أرضاه المال، ون كان نبياً لم يرضه المال، وإنما يرضيه دخولنا في دينه، فبعثت إليه هدية عظيمة وصفها الناس، واختصرنا وصفها لعدم صحته.

.تفسير الآية رقم (36):

{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)}
{أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} إنكار للهدية لأن الله أغناه عنها بما أعطاه {بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} أي أنتم محتاجون إليها فتفرحون بها، وأنا لست كذلك.

.تفسير الآية رقم (37):

{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)}
{ارجع إِلَيْهِمْ} خطاب للرسول، وقيل: للهدهد، والأول أرجح، لأن قوله: {فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ} مسند إلى الرسول {لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} أي لا طاقة لهم بها.

.تفسير الآية رقم (38):

{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)}
{قَالَ ياأيها الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} القائل: سليمان، والملأ جماعة من الجن والإنس، وطلب عرشها قبل أن يأتوه مسلمين، لأنه وصف له بعظمة، فأراد أن يأخذه قبل أن يسلموا فيمنع إسلامهم من أخذ أموالهم، فمسلمين على هذا من الدخول في دين الإسلام، وقيل: إنما طلب عرشها قبل أن يأتوه مسلمين ليظهر لهم قوّته، فمسلمين على هذا بمعنى منقادين.

.تفسير الآية رقم (39):

{قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)}
{قَالَ عِفْرِيتٌ} روي عن وهب بن منبه أن اسم هذا العفريت كوزن {قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} قبل أن تقوم من موضع الحكم، وكان يجلس من بكرةَ إلى الظهر، وقيل: معناه قبل أن تستوي من جلوسك قائماً.

.تفسير الآية رقم (40):

{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}
{قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب} هو آصف بن برخيا، وكان رجلاً صالحاً من بني إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم وقيل: هو الخضر، وقيل هو جبريل، والأول أشهر، وقيل سليمان وهذا بعيد {آتِيكَ بِهِ} في الموضعين: يحتمل أن يكون فعلاً مستقلاً او اسم فاعل {قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} الطرف العين، فالمعنى على هذا قبل أن تغمض بصرك إذا نظرت إلى شيء وقيل: الطرف تحريك الأجفان إذا نظرت {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ} قيل: هنا محذوف تقديره: فجاءه الذي عنده، علم من الكتاب بعرشها، ومعنى مستقرّاً عنده حاصلاً عنده وليس هذا بمستقر الذي يقدر النحويون تعلق المجرورات به خلافاً لمن فهم ذلك {يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي منفعة الشكر لنفسه.

.تفسير الآية رقم (41):

{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)}
{قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} تنكيره تغيير وصفه وستر بعضه، وقيل: الزيادة فيه والنقص منه، وقصد بذلك اختبار عقلها وفهمها {أتهتدي} يحتمل أن يرتد: تهتدي لمعرفة عرشها، أو للجواب عنه إذا سئلت أو للإيمان.

.تفسير الآية رقم (42):

{فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)}
{فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} كان عرشها قد وصل قبلها إلى سليمان فأمر بتنكيره، وأن يقال لها أهكذا عرشك؟ أي أمثل هذا عرشك؟ لئلا تفطن أنه هو، فأجابته بقوله: {كَأَنَّهُ هُوَ}. جواباً عن السؤال، ولم تقل هو تحرزاً من الكذب أو من التحقيق في محل الاحتمال {وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا} هذا من كلام سليمان وقومه لما رأوها قد آمنت قالوا ذلك؛ اعترافاً بنعمة الله عليهم، في أن آتاهم العلم قبل بلقيس، وهداهم للإسلام قبلها، والجملة معطوفة على كلام محذوف تقديره: قد أسلمت هي وعلمت وحدانية الله وصحة النبوّة وأوتينا نحن العلم قبلها.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)}
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} هذا يحتمل أن يكون من كلام سليمان وقومه، أو من كلام الله تعالى، ويحتمل أن يكون {مَا كَانَت تَّعْبُدُ} فاعلاً أو مفعولاً، فإن كان فاعلاً، فالمعنى صدها ما كانت تعبد عن عبادة الله والدخول في الإسلام حتى إلى هذا الوقت، وإن كان مفعولاً: فهو على إسقاط حرف الجر، والمعنى صدها الله أو سليمان عن ما كانت تعبد من دون الله فدخلت في الإسلام.

.تفسير الآية رقم (44):

{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}
{قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} الصرح في اللغة هو القصر، وقيل: صحن الدار، روي أن سليمان أمر قبل قدومها فبنى له على طريقها قصراً من زجاج أبيض، وأجرى الماء من تحته، وألقى فيه دواب البحر من السمك وغيره وضع سريره في صدره فجلس عليه فلما رأته حسبته لجة، واللجة الماء المجتمع كالبحر، فكشفت عن ساقيها لتدخله لما أمرت بدخوله، وروي أن الجن كرهوا تزوج سليمان لها، فقالوا له: أن عقلها مجنون، وإن رجلها كحافر الحمار فاختبر عقلها بتنكير العرش فوجدها عاقلة، واختبر ساقها بالصرح فلما كشف عن ساقيها وجدها أحسن الناس ساقاً، فتزوجها وأقرها على ملكها باليمن، وكان يأتيها مرة في كل شهر، وقيل: أسكنها معه بالشام {قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ} لما ظنت أن الصرح لجة ماء وكشفت عن ساقيها لتدخل الماء قال لها سليمان: إنه صرح ممرّد والممرّد الأملس، وقيل الطويل، والقوارير جمع قارورة وهي الزجاجة.
{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} تعني بكفرها فيما تقدم {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} هذا ضرب من ضروب التجنيس.

.تفسير الآيات (45- 47):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)}
{فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} الفريقان من آمن ومن كفر؛ واختصامهم؛ اختلافهم وجدالهم في الدين {لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ} أي لم تطلبون العذاب قبل الرحمة، أو المعصية قبل الطاعة {قَالُواْ اطيرنا بِكَ} أي تشاءَمنا بك، وكانوا قد أصابهم القحط {قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ الله} أي السبب الذي يحدث عنه خيركم أو شركم: هو عند الله وهو قضاؤه وقدره، وذلك رد عليهم في تطيرهم، ونسبتهم ما أصابهم من القحط إالى صالح عليه السلام.

.تفسير الآيات (48- 49):

{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)}
{وَكَانَ فِي المدينة} يعني مدينة ثمود {يُفْسِدُونَ فِي الأرض} قيل: إنهم كانوا يقرضون الدنانير والدارهم ولفظ الفساد أعم من ذلك {تَقَاسَمُواْ بالله} أي حلفوا بالله، وقيل: إنه فعل ماض وذلك ضعيف، والصحيح أنه فعل أمر قاله بعضهم لبعض، وتعاقدوا عليه {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي لنقتلنه وأهله بالليل، وهذا هو الفعل الذي تحالفوا عليه {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} أي نتبرأ من دمه إن طلبنا به وليه، ومهلك يحتمل أن يكون اسم مصدر أو زمان أو مكان، فإن قيل: إن قولهم: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} يقتضي التبري من دم أهله، دون التبري من دمه، فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول أنهم رادوا ما شهدنا مهلكه ومهلك أهله، وحذف مهلكه لدلالة قولهم {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ}، والثاني أن أهل الإنسان قد يراد به هو وهم لقوله: {وأغرقنا آل فرعون} يعني فرعون وقومه، الثالث: أنهم قالوا مهلك أهله خاصة ليكونوا صادقين، فإنهم شهدوا مهلكه ومهلك أهله معاً، وأرادوا التعريض في كلامهم لئلا يكذبوا.
{وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} يحتمل أن يكون قولهم: {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} مغالطة مع اعتقادهم أنهم كاذبون، ويحتمل أنهم قصدوا وجهاً من التعريض ليخرجوا به عن الكذب وقد ذكرناه في الجواب الثالث عن مهلك أهله، وهو أنهم قصدوا أن يقتلوا صالحاً وأهله معاً، ثم يقولون: ما شهدنا مهلك أهله وحدهم وإنا لصادقون في ذلك بل يعنون أنهم شهدوا مهلكه ومهلك أهله معاً، وعلى ذلك حمله الزمخشري.

.تفسير الآيات (51- 58):

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}
{أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ} روي أن الرهط الذين تقاسموا على قتل صالح اختفوا ليلاً في غار، قريباً من داره ليخرجوا منه إلى داره بالليل، فوقعت عليهم صخرة فأهلكتهم، ثم هلك قومهم بالصيحة ولم يعلم بعضهم بهلاك بعض، ونجا صالح ومن آمن به {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} قيل: معناه تبصرون بقلوبكم أنها معصية وقيل: تبصرون بأبصاركم لأنهم كانوا ينكشفون بفعل ذلك ولا يستتر بعضهم من بعض، وقيل: تبصرون آثار الكافر قبلكم وما نزل بهم من العذاب {يَتَطَهَّرُونَ} و{الغابرين} {وَأَمْطَرْنَا} قد ذكر.

.تفسير الآيات (59- 61):

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)}
{قُلِ الحمد لِلَّهِ وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى} أمر الله رسول أن يتلو الآيات المذكورة بعد هذا، لأنها براهين على وحدانيته وقدرته، وأن يستفتح ذلك بحمده، والسلام على من اصطفاه من عباده، كما تستفتخ الخطب والكتب وغيرها بذلك، تيمناً بذكر الله، قال ابن عباس: يعني بعباده الذين اصطفى الصحابة، واللفظ يعم الملائكة والأنبياء والصحابة والصالحين {ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} على وجه الرد على المشركين، فدخلت خير التي يراد بها التفضيل لتبكيتهم وتعنيفهم، مع أنه معلوم أنه لا خبر فيما أشركوا أصلاً، ثم أقام عليهم الحجة بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض، وبغير ذلك مما ذكره إلى تمام هذه الآيات، وأعقب كل برهان منها بقوله: {أإله مَّعَ الله} على وجه التقرير لهم، على أنه لم يفعل ذلك كله إلا الله وحده، فقامت عليهم الحجة بذلك وفيها أيضاَ نِعَمٌ يجب شركها فقامت بذلك أيضاً، وأمَّا في قوله: {خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} متصلة عاطفة، وأم في المواضع التي بعد منقطعة بمعنى بل والهمزة {قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} أي يعدلون عن الحق والصواب أو يعدلون بالله غيره أي يجعلون له عديلاً ومثيلاً {رَوَاسِيَ} يعني الجبال {البحرين} ذكر في [الفرقان: 53].

.تفسير الآيات (62- 64):

{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}
{يُجِيبُ المضطر} قيل هو المجهود، وقيل الذي لا حول له ولا قوّة، واللفظ مشتق من الضرر: أي الذي أصابه الضّر أو من الضرورة أي الذي ألجأته الضرورة إلى الدعاء {خُلَفَآءَ الأرض} أي خلفاء فيها تتوارثون سكناها {أَمَّن يَهْدِيكُمْ} يعني الهداية بالنجوم والطرقات {بُشْرَاً} ذكر في [الأعراف: 75] {مِّنَ السمآء والأرض} الرزق من السماء: المطر ومن الأرض: النبات {هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} تعجيز للمشركين.